يوسف الزق: أصغر أسير في العالم يقبع في سجن "هشارون" الإسرائيلي
فلسطين اليوم- غزة
خلف أسوار عالية وأسقف تمنع حتى أشعة الشمس، بدأ يحبو خطواته الأولى بعد أن تفتحت عيناه على قضبان الأسر، وسمعت أذناه صرخات السجان على أمه ورفيقاتها، وما أن بدأ يسير على قدميه حتى تأكد أنها لن تمشي إلا بين هذه الجدان الأربعة لسجن "هشارون" الإسرائيلي.
قد لا يعي ابن العام والنصف يوسف الزق أصغر أسير في العالم كل هذه المعاني، لكنه بالتأكيد لا يمكنه الفكاك منها مع كل جرعة حليب يرضعها من أمه الأسيرة فاطمة الزق (41عاماً). زارت عائلة هذا الأسير الأصغر شرق مدينة غزة لتنقل صور أخرى من معاناة الفلسطينيين التي لا تنتهي.
خلف صورة كبيرة ليوسف وأمه معلقة في غرفة الضيافة بمنزل الأسير بن الأسيرة كان يجلس الأب والزوج ويلتف حول الأبناء الثمانية بحثاً كما يبدو عن حنان أم افتقدوه منذ أكثر من عامين. يقول والد يوسف: "كما ترى ما أن تطأ قدمي البيت، حتى يسرع الأولاد لاحتضاني والجلوس معي للسؤال عن أمهم التي طال غيابها وأخيهم الذي لم يروه إلا من خلال الصور". ويضيف بحسرة: "أصعب شيء أن يكبر ابنك يوماً بعد آخر وهو بعيد عن عينيك، لا تستطيع أن تحتضنه أو تشاهده يكبر أمام عينيك".
يقاطعنا الابن الأصغر سليمان "بابا مش يوسف أخونا، ليس ما يجي عنا في البيت علشان نلعب سوى". يزداد الأب حزن وتكاد الدموع تسيل من عينيه، يقول: "والله لا أعرف ما الذي يمكن قوله لهذا الصغير؟ فأنا أيضاً أتمني أن اسمع منه كلمة بابا وهو الآن بدء ينطق ببعض الكلمات داخل السجن".
قصة الأسير يوسف وأمه فاطمة بدأت في 20 آيار (مايو) 2007 عندما خرجت مع ابنة أخيها كمرافقة لها لتلقي العلاج في مستشفيات الضفة الغربية بعد حصولهما على تصريح إسرائيلي بذلك، وعند حاجز بين حانون (إيرز) اعتقلتهما قوات الاحتلال، وتم نقلهما إلى سجن "هشارون".
أيام محدودة وتكتشف فاطمة أنها تحمل جنيناً في شهره الأول من دون أن تعلم، لتضاف إليها آلام الحمل إلى جانب معاناة السجن، وتمر الأيام الصعبة حتى جائها المخاض لتنقلها إدارة السجن إلى مستشفى "مائير"، وما بين السجن والمستشفى استمرت المعاناة والمعاملة اللانسانية، إذ لم تفك قيودها إلا ساعة الولادة، حيث خرج إلى نور الدنيا وعتمة السجن يوسف في 18 كانون ثاني (يناير) 2008.
عاد يوسف وأمه من المستشفى إلى السجن في ذات اليوم لتبدأ مرحلة جديدة من المعاناة، "فكل شيء يراد إدخاله له كان يحتاج إلى قرارات إسرائيلية عليا، لا بل قرارات محاكم حتى يمكن إدخال الألعاب وأبسط متطلبات الرضع والأطفال" كما يقول والده الذي يضيف: "حاول المحامون وعدد من الجمعيات العربية داخل إسرائيل إدخال الألعاب إلى السجن من دون جدوى، فاضطر أسرى سجن هداريم القريب من سجن زوجتي إلى تقديم التماس إلى المحكمة العليا الإسرائيلية التي قضت بالسماح بإدخال الألعاب ومستلزمات يوسف".
ويروي الأب قصة تسميته بيوسف: "كانت زوجتي تقرأ القرآن بشكل منتظم داخل السجن، وعندما جاءتها آلام الحمل في إحدى المرات كانت تقرأ في سورة يوسف، فأبلغت رفيقاتها في الصباح أنه إن كان ما تحمله ذكراً فستسميه يوسف".
وكغيرها من أسرى قطاع غزة، يمنع الاحتلال الإسرائيلي زيارة ذويها إلا من بعض المحامين من الضفة، حتى أنها امتنعت عن الخروج للمحامي بعدما رفضت إدارة السجن خروج ابنها يوسف معها، وقبل أيام فقط سمح لها بمصاحبة صغيرها خلال زيارة المحامي.
وتتابع العائلة أخبار صفقة تبادل الجندي الإسرائيلي "شاليت" بالأسرى الفلسطينيين أول بأول، على أمل أن تفك القيود عن فاطمة وابنها يوسف، عل الابتسامة تعود إلى الوجوه وتدخل الفرحة القلوب من جديد. يقول الأب: "كنا في البداية ننتظر عودة زوجتي لكننا الآن ننتظرها مع يوسف، ونتابع صفقة التبادل وكأنها مخلصنا الوحيد". ويضيف: "أوجه ندائي إلى كل من يدعي الديمقراطية في هذا العالم، هل يعقل أن يبق يوسف وأمه خلف القضبان؟".
صرخة يبدو أنه لن يعود منها للأب الحزين إلا صداها، ليبقى يوسف خلف القضبان مع 345 أسيراً من الأطفال غيبوا في سجون الاحتلال، يبحث عن نور الشمس في سجن معتم، وعن رائحة الحرية في موطن الاعتقال والظلم، لا يجد طفلاً يداعبه أو صغيراً يلاعبه سوى 35 أسيرة يتبادلون أدوارهم في رعايته. هكذا يقضي يوسف أيامه في السجن على جريمة لم يقترفها.