أرغم رجل ابنته على
الزواج من رجل لم تكن تعرف عنه أي شيء سوى أن زوجته الأولى قد رحلت مغدورة
وتركت له مسؤوليات القصر الكبير وارف الأرجاء بكل ما فيه من خيرات مما أنعم
الله به على البيت (القصر) وأهله.
فقبلت الفتاة مكرهة، ونزولا عند رغبة والدها هذا العرض، وهي لا تعرف خير
هذا الرجل من شره. أما الرجل فكان مستهترا لا يأبه بالزوجة ولا الأولاد، لا
الكبار ولا الصغار، ولا حتى الأطفال منهم، وكان لا يهمه سوى علاقاته
الخارجية وخزينته. وعندما واجهته الزوجة لأول مرة بأن يلتفت إلى مطالبها،
وإلى احتياجات الأطفال، وعدها بأنه سيلبي مطالبها دون التزام بموعد فالأيام
بالنسبة له طويلة ومديدة.
أنجبت الزوجة ثلاثة أولاد حديثي العهد، انضموا إلى أشقائهم المظلومين
والمحرومين، على الرغم من فخامة وعراقة القصر الذي يعيشون، فهم ينامون
أحيانا وهم يرجون والدهم بأن لا يعود إلى البيت إلا ومعه بعض الطعام،
وكانوا ينتظرون حتى ساعات الليل المتأخرة حتى يرجع الوالد وإذا به يعود
بخفي حنين، فقد أكل هو وشبع وبشم ووصل إلى حد التخمة هو ومن حوله من
الأصدقاء، أما أولاده فكان يقول لهم أن كل المحلات كانت مغلقة في طريق
عودته إلى البيت لذلك فأنه لم يشترِ لهم ما يأكلوه.
مرت الأيام والسنوات، والرجل يرفض أن يعود إلى صوابه، ويواصل حياة البذخ
والترف والسهر والإسراف، ويهمل بيته وزوجته وأولاده ولا يلتفت إلى صغاره
الذين كبروا وأوشكوا على سن المراهقة، وهم يشكون لوالدتهم سوء معاملة
والدهم لهم، وإذلالهم بين أقرانهم وأبناء صفهم، وإهانتهم في البيت.
أهمل الرجل بيته وعائلته، وقد أصبحت محتوياته قديمة وبالية، جدرانه آيلة
إلى السقوط، أما الأولاد فقد اضطروا إلى الخروج للبحث عن عمل، وكان كلما
عاد واحدهم وقد حصّل بعض النقود من خدمة هنا أو عمل هناك، كان الوالد يتسلط
عليه يأخذ منه نقوده، وعندما طلب منه الابن الأصغر الذي لا يزال في مراحل
الدراسة والعلم، رسوم التسجيل قال له والده، اذهب للتسوّل هذا ليس شأني لدي
من الأشغال ما يكفيني.
شاهدت الأم كيف أن زوجها رد ابنها (ابنه) خائبا، متألما، جائعا مهيض،
الجناح وكسير الخاطر، فقامت إلى المطبخ وتناولت ثلاث سكاكين وزعتها على
أولادها الثلاثة الشباب، ثم أمرت زوجها بأن يرحل عن البيت وأن لا يعود إلى
القصر مرة أخرى، وصرخت في وجهه "أنا وأولادي سنتدبر أمورنا وندير شؤوننا
ولا حاجة لنا بك، ولا نريدك بيننا، لأنك سبب مآسينا"، فلم يصدق الرجل هذه
الجرأة من زوجته وأولاده الشباب، فراح الوالد يستعين بكلبه المفترس الواقف
عند باب القصر لتخويف الزوجة والأولاد، لكن أحد أبنائها الشباب أمسك بالكلب
وذبحه.. فراح الرجل يتوسل إلى زوجته وأولاده الشباب ويقول سأغير لكم أثاث
البيت بكامله، فقالوا له جميعا لا نريدك أغرب عن وجهنا في الحال، فقال
سأقوم بترميم الجدران.. فقالوا له أخرج فورا.. فقال أمهلوني قليلا وامنحوني
فرصة أخيرة، فقالوا له إرحل إرحل إرحل..
أما الرجل فكان اسمه مبارك، وأما الزوجة وأولادها الشباب فهم أبناء الشعب المصري!!